الاثنين، 27 مايو 2013

من يقطف ثمار "الربيع" ؟ - مع ترجمة لفقرات هامة من تقرير المعهد اليهودي لشئون الأمن القومي




عندما تشرع فى مناقشة أحد أنصار الثورات التي ضربت البلدان الإسلامية فيما يعرف "بالربيع العربي" حول جذور هذه الأحداث و منظمات المجتمع المدني المشبوهة التى شاركت فى صنعها بتمويل لا ينكرون مصادره الأجنبية، فإنه يلقى فى وجهك بهذه الحجة:

-"كيف تريدني أن أقتنع بأن منظمات غربية قد مولت ثورات ساعدت فى وصول الإخوان للسلطة ؟ أليس هذا تهديدا مباشرا لأمن إسرائيل ؟ أليس هذا نصرا للإسلام ؟ ألم تشاهد المسئولين الإسرائيليين فى وسائل إعلامنا و هم يعبرون عن رعبهم من ثورات العرب؟"

و مثل هذه العبارات السطحية لا يمل من تكرارها المتحمسون "للربيع" دون أن يتوقفوا لحظة للتفكير. فأولا قضية أن هناك منظمات غربية مولت الثوار و دعمت أنشطتهم و دربتهم هي مسألة منتهية معروفة للجميع حتى أن الثوار أنفسهم لا ينكرونها الآن من فرط انكشافها و إن أنكروها في بداية الثورة. و الغريب أنهم الآن يحاولون تبرير هذا التمويل و هذه التدريبات بشتى الطرق و يريدون لها أن تمر علينا مرور الكرام على أنها شئ عادي لا يستحق الإنزعاج. و هذا يناقض موقفهم الأول إبان الثورة حين أنكروا تورط جهات غربية بشدة بل و سخروا من هذا الإتهام. و نقول: إذا كان سفركم للتدرب على الإنقلابات و تهييج الرأى العام بالخارج شيئا عاديا مقبولا فلماذا أنكرتموه فى البداية؟

 إن علاقة حركة شباب 6 إبريل فى مصر والحركات المماثلة فى تونس بمنظمة أوتبور الصربية و منظمة فريدم هاوس "بيت الحرية" الأمريكية و فريدريش ناومان الألمانية و المعهد الجمهوري الدولي و غيرهم من منظمات اليمين المتطرف في الغرب صارت الآن علاقة معلنة تحدث عنها الثوار أنفسهم غير مرة فى وسائل الإعلام بتبجح. و إليك أيها القارئ الكريم هذا المقطع الذي يقول فيه صراحة أحد رؤساء منظمة من منظمات المجتمع المدني أن منظمته تتلقى التمويل من الولايات المتحدة و الإتحاد الأوروبي و أنه تم استخدامه فى عمل الثورة و العصيان المدني (و هو من فرط جهله يحسب أن هذا عمل جليل و لا يرى أى مشكلة فى هذا):



و هذا مقطع آخر يتكلم فيه أحمد عادل المتحدث الرسمي باسم حركة شباب 6 إبريل عن تدريباتهم فى الخارج و تمويلهم و يقول فى الدقيقة الواحدة و سبع ثوان :

"إحنا تمويلنا من جيبنا لكن التكلفة كانت كبيرة شوية فدفعت المؤسسة الصربية أوتبور (الممولة من فريدم هاوس الأمريكية كما قال هو بنفسه قبلها) جزء من الفلوس. و عايز أقولك إن كانفاس (الإسم الجديد لأوتبور بعد الثورة الصربية) و فريدم (يعني فريدم هاوس) فيه تعاون ما بينهم فى موضوع الفلوس ده"




و مقطع آخر يظهر فيه أحمد عادل أيضا متحدثا للجزيرة الإنجليزية عن التدريب فى صربيا يقول فى الدقيقة الواحدة و تسع ثوان:

"احنا اتدربنا فى صربيا على فكرة مفهوم اللاعنف (و هو المفهوم الخبيث الذى اخترعه الأمريكي جين شارب لزعزعة استقرار الحكومات بواسطة الشعوب بدعوى التحرر من الظلم) و ازاى نقدر نحرك الجماهير بجد على عمل لاعنيف و ازاى نتحكم فى الناس و ازاى ننظم مسيرات و نعمل فعاليات كويسة"



و هذا وثائقي قصير يتحدث عن كيفية تصنيع الثورات و يتضمن تصريحات من ثوار مصريين و تونسيين بالتدريب و الدعم الخارجي إلى جانب تصريحات من المدربين الأجانب (أمثال الصربي سيرجي بوبوفيتش) أنفسهم:


  
ولا جدوى من الجدال بعد الإعترافات المباشرة. فهذه مسألة محسومة ابتداءا و لا تجدي حجة "تهديد أمن إسرائيل" فى دحضها. و سنتعرض لتفاصيل هذه العلاقة و لماهية المنظمات الغربية المذكورة أعلاه بالأدلة فى الجزء الثاني من قصة "التغيير" إن شاء الله (اقرأ الجزء الأول هنا).

لكننا سنحاول اليوم فى هذه المقالة الإجابة على الشق الآخر من هذه الحجة: لماذا مولت هذه الجهات الغربية ثورات الربيع العربي و هي تعلم أنها ستهدد أمن إسرائيل بشدة ؟

و لحسم هذه المسألة يجب أن نسأل أنفسنا: هل "الربيع" فعلا يهدد أمن إسرائيل ؟ من الذي وضع هذه الفكرة فى رؤوسنا؟ من أين أتينا بها؟ و هل فعلا جعل "الربيع" دولنا أكثر قوة بحيث تهدد إسرائيل؟ لقد رأينا العديد من مقاطع اليوتيوب الشهيرة التي ظهرت إبان الثورة و انتشرت بين الشباب تظهر تصريحات صهاينة يعبرون عن رعبهم و خوفهم من ثورات العرب أشهرها المقطع الذي يظهر حاخاما يتكلم عن خوفه الشديد من تداعيات "الربيع" على أمن إسرائيل. و التقطت معظم وسائل الإعلام العربية نفس هذه الفكرة و كررتها بلا كلل على مدى العامين الماضيين و على رأسها قناة الجزيرة القطرية التي نشرت مئات المقالات و التقارير التى عبرت عن رعب إسرائيل و المأزق الذي تعيشه بعد الربيع حتى أضحت الفكرة من فرط تداولها و كأنها حقيقة لا مراء فيها. فكانت هذه الفكرة سببا فى تحمس العديد من الشباب لتصعيد حدة الثورات و أعمال الفوضى فى بلداننا معتبرين أنهم بهذا يرهبون الصهاينة كما يكرر الإعلام ! لكنهم نسوا أن المباني المحترقة و الشوارع المقطوعة و الممتلكات المحطمة هي مبانينا و شوارعنا و ممتلكاتنا و ليست للصهاينة. نسوا أن القتلى قتلانا و الدماء دماؤنا و ليست دماء الصهاينة.

فهل هذه الفكرة حقيقية ؟ لكي نعلم وجهة نظر الصهاينة الحقيقية تجاه الربيع العربي و ما إذا كانوا يشعرون بالتهديد أمنيا أم لا فإنه من الخطأ الشديد الإعتماد على قنواتنا الميمونة و خاصة قناة مثل قناة الجزيرة تؤيد الثورات – بل و تصنعها أحيانا – و تتعصب لها و تنشر كل ما من شأنه جذب المزيد من الأنصار للربيع العربي و لو بالكذب، و لو بنشر الأخبار الموجهة. كما أنه من الخطأ أيضا الإعتماد – كما تفعل قنواتنا – على رأى عوام الصهاينة من أفراد الشعب الإسرائيلى الذين قد يشعرون فعلا بالرعب جراء نظرتهم السطحية للأحداث. ما علينا أن نفعله لكي نعلم ما إذا كان صناع القرار الصهاينة يرون "الربيع" تهديدا لأمنهم هو أن نراجع المقالات المتخصصة التى تنشرها المعاهد البحثية السياسية و منظمات صنع القرار حيث تعكس هذه المقالات المتخصصة وجهات نظر دوائر صنع القرار الفعلية و ليس وجهات النظر التي يراد لها أن تصل للعوام و لوسائل الإعلام العامة. فهذه المقالات و إن كانت منشورة على الشبكة العنكبوتية إلا أنها ليست موجهة إلى العوام بالأساس لذلك يكون الكلام فيها مكشوفا و صريحا إلى حد كبير دون مواربة أو تجميل أو ألاعيب دبلوماسية.

شعار معهد الجينسا اليهودي

 أحد هذه المعاهد المتخصصة هو المعهد اليهودي لشئون الأمن القومي "جينسا"  Jewish Institute for National Security Affairs (JINSA). و هو منظمة صهيونية متخصصة فى التنيسق الأمني بين الولايات المتحدة و إسرائيل، مقرها فى واشنطن ، وتم تأسيسها عام 1976. شعارها هو:

Securing America, Strengthening Israel
حماية أمريكا، تقوية إسرائيل



 و يوجز الموقع الرسمي للمعهد أهدافه فى النقاط التالية (الترجمة باللون الأحمر):
·         Promote American security cooperation with like-minded democratic countries including, but not limited to, Israel;
·         Engage the American defense community about the role Israel can and does play in securing Western, democratic interests in the Middle East and Mediterranean regions
·         Improve awareness in the general public, as well as in the Jewish community of the importance of a strong American defense capability.
·         دعم التعاون الأمني الأمريكي مع الديموقراطيات المشابهة لأمريكا بما يشمل إسرائيل.
·         التواصل مع الجهات الدفاعية الأمريكية حول الدور الذي تلعبه إسرائيل فى حماية المصالح الغربية و الديموقراطية فى الشرق الأوسط و منطقة حوض المتوسط.
·         نشر الوعي بين العوام و بين المجتمع اليهودي على حد السواء حول أهمية دعم القوة الدفاعية الأمريكية

و تضيف صفحة موسوعة ويكيبيديا عن هذا المعهد (يمكنك الإطلاع عليها هنا) أنه أنشئ كرد فعل للدرس القاسي الذى تعلمه اليهود من يوم كيبور "حرب اكتوبر" عام 1973. و تؤكد أنه من ضمن توصيات المعهد للحكومة الأمريكية هذه التوصية:

To adopt Regime change in "rogue" nation-states known to provide support or knowingly harbor terrorist groups, including Iran, Syria, Lebanon, Venezuela, Cuba, North Korea, and Libya, and support a re-evaluation of the U.S. defense relationships with Egypt, Saudi Arabia, and other Persian Gulf nations.

تبني تغيير الأنظمة فى الدول المارقة التى تأوي الإرهاب مثل إيران، سوريا، لبنان، فنزويلا، كوبا، كوريا الشمالية و ليبيا. و إعادة النظر فى العلاقات الأمريكية مع مصر و المملكة العربية السعودية و دول الخليج العربي.

و يؤكد الكاتب الصحفي جاسون فيست Jason Vest  فى مجلة الأمة The Nation  السياسية الأمريكية فى مقالة بعنوان "رجال "الجينسا" The men From JINSA ، يؤكد نفس المعنى حيث يقول أن رجال معهد الجينسا يؤمنون بهذا:

Regime change by any means necessary in Iraq, Iran, Syria, Saudi Arabia and the Palestinian Authority is an urgent imperative

أن تغيير الأنظمة بكل الوسائل الممكنة فى العراق و إيران و سوريا و المملكة العربية السعودية و فلسطين هو ضرورة حتمية

فماذا يقول هذا المعهد الصهيوني حول "الربيع" و علاقته بالأمن القومي الإسرائيلي ؟ نشر المعهد على موقعه الرسمي بتاريخ 11 يوليو عام 2012 مقالة بعنوان:

تبدأ المقالة بهذه الفقرة:

Israelis understandably feel imperiled by the misnamed "Arab Spring." Their country's three-decade peace treaty with Egypt is under assault, its strategic alliance with Turkey has dissolved, and its closest regional ally, Jordan, is withering from domestic protests.

من المفهوم أن يشعر الشعب الإسرائيلي بالقلق تجاه ما يسمى خطأ "بالربيع العربي". فاتفاقية السلام التى أبرمت منذ ثلاثين عاما مع مصر هى حاليا تحت القصف، و تحالفهم الإستراتيجي مع تركيا على شفا التحلل بينما أقرب حليف عربي لإسرائيل – الأردن – تعصف بها المظاهرات.

فهنا يعرض المقال وجهة النظر السطحية التى يتبناها عوام اليهود و عوام العرب على حد السواء و تروج لها وسائل الأعلام التي تريد "للربيع" أن يشتعل أكثر كما بينا سابقا سواء عن عمد أو بحسن نية. لكنه يوضح وجهة النظر الحقيقية المغايرة لنظرة العوام السطحية (التى يتبناها إعلامنا المصون للأسف) في الفقرة التالية حيث يقول:

Although the initial flickers of liberalism have been subsumed by the Islamist bonfire, the so-called "Arab Spring" has, paradoxically, made Israel stronger as Israel's enemies have turned on each other. While Arab capitals burn, Jerusalem has calmly and carefully steeled itself against the possible immediate deleterious effects, building fences along its Egyptian and Jordanian borders and accelerating the deployment of its Iron Dome anti-missile system. Whereas Arab states remain mired in internal political, economic, and military turmoil, Israel hums along, its economy intact - tourism is at an all-time high - its military untested, and its government united.

على الرغم من انتصار الإسلاميين على الليبراليين مبدئيا، إلا أن ما يسمى "بالربيع العربي" قد جعل إسرائيل أكثر قوة حيث انقض أعداء إسرائيل على بعضهم البعض. ففي الوقت الذي تحترق فيه العواصم العربية، فإن القدس بهدوء و حرص قد حصنت نفسها ضد التأثيرات السلبية المباشرة التى قد تحدث (وهذا مما يثير التساؤل إذ كيف عرفت إسرائيل بقدوم الربيع العربي فاتخذت إحتياطاتها؟) فبنت الأسوار على طول حدودها مع مصر و الأردن و سرعت من عملية نشر درعها الصاروخي المسمى بالقبة الحديدية. و بينما ترزح الدول العربية تحت نير فوضى سياسية و إقتصادية و عسكرية داخلية فإن إسرائيل تبقى متمتعة باقتصاد راسخ و تدفق سياحي وافر و جيش لم يمس و حكومة لم تهتز.

فهنا كما ترى يصرح المعهد الأمني المتخصص فى الدوائر السياسية بما لا يتم التصريح به فى وسائل الإعلام العامة. فهم فى العلن يريدون – كما يحلو لهم دائما – أن يلعبوا دور الضحية المرتعبة المحاصرة من المسلمين الثائرين حتى ينالوا التعاطف الشعبى الدولى و المزيد من التبرعات و التمويلات و حتى يعطوا رسالة ضمنية لعوام العرب من السطحيين و الدهماء أن استمروا فى ربيعكم فإنا مرتعبون. بينما هم كما ترى سعداء جدا بالربيع و تداعياته. فهو يحقق لهم ما لم يتحقق حتى فى نكسة يونيو 1967.

و يتجلى المكر اليهودي فى هذه الفقرة التى ترد على من يخاف من صعود الإخوان للحكم من عوام اليهود و أيضا يجيب لنا ضمنيا عن سؤالنا "لماذا مول الغرب ثورات الربيع مع علمه باحتمال صعود الإخوان؟" حيث يؤكد التقرير أنه على الرغم من أن "الربيع" قد ينطوى على أحداث لا تبدو فى مصلحة إسرائيل مثل فقدان السيطرة الأمنية المصرية على سيناء و إنطلاق صواريخ منها تجاه إسرائيل و أيضا الهجوم على السفارة الإسرائيلية بالقاهرة إلا أنه بين ما يلى:

As these troubling developments suggest, the capacity of the Egyptian state has also fundamentally declined. The Egyptian economy is in dire straits: foreign reserves have dropped 60 percent, foreign direct investment has fallen by 90 percent, and this year's budget deficit is 10.4 percent of GDP - America's is 7.6 percent - and trending upwards. Furthermore, Egypt's military regime and the Muslim Brotherhood are focused inward on reestablishing order and consolidating political control. Any warlike move by an Islamist-led Egypt would trigger the elimination of the American military aid that currently funds nearly 40 percent of Egypt's defense budget. The Egyptian body politic may indeed be more hostile to the Jewish State, but its capabilities for acting on that hostility have markedly declined.

على الرغم من توالى مثل هذه الأحداث، فإن قدرة الدولة المصرية أيضا قد تقلصت بشكل جذري. إن الإقتصاد المصري لفي مأزق حقيقي: إحتياطي النقد الأجنبي قد هبط بنسبة ستين بالمائة. الإستثمار الأجنبي المباشر قد تقلص بنسبة تسعين بالمائة. و العجز السنوي الحالي بالميزانية المصرية بلغ 10.4% بينما فى أمريكا 7.6%. بالإضافة إلى هذا فإن الجيش و الإخوان منشغلون تماما بالداخل لإعادة الإنضباط و السيطرة السياسية. فأي تفكير فى عمل عدائي تجاه إسرائيل سيؤدي إلى إلغاء المعونة العسكرية الأمريكية التي تشكل 40% من ميزانية الدفاع المصرية. نعم، إن الإتجاه السياسي العام في مصر تحت حكم الإسلاميين قد يكون أكثر عدائية تجاه الدولة اليهودية لكن قدرتهم على تفعيل هذه العدائية قد تقوضت بشكل كبير.

ثم يعرج التقرير على سوريا و يقول فيها ما قاله فى مصر من أن المصالح التي تجنيها إسرائيل من الفوضى التى تضرب سوريا تربو على المفاسد و أن حدود إسرائيل الشمالية "لم تكن بهذا الهدوء من قبل". و لم ينسى التقرير غزة حيث يقول إن استمرار الصراع بين حماس وفتح ضمن إنشغالهما عن إسرائيل. ثم يقول فى هذه الفقرة المؤلمة:

Even beyond Israel's immediate borders, the "Arab Spring" has uncorked ethno-religious conflicts. PKK (Kurdistan Workers' Party) attacks on Turkish military targets have spiked, fighting continues between Arab, African, and Berber tribesmen in Libya, and two new independent states have been declared, the Tuareg state of Azawad in northwestern Mali and South Sudan, marking the first loss of "Arab" sovereignty in 45 years.

حتى فيما خلف الحدود المباشرة لأسرائيل فإن "الربيع العربي" (هل حقا بعد كل هذا يمكن أن يسمى "ربيعا عربيا أم هو ربيعهم؟) قد أشعل صراعات عرقية و دينية عديدة. فقد ارتفعت وتيرة هجوم حزب العمل الكردستاني على الجيش التركي، بينما اشتعل صراع بين العرب و الأفارقة و قبائل البربر فى ليبيا، و فى الوقت ذاته تم إعلان إستقلال دولتين جديدتين: دولة الطوارق "دولة أزاواد" فى شمال مالى و دولة جنوب السودان فيما يعد أول خسارة لسيادة العرب على الأراضي العربية منذ 45 عاما.

ثم يختم المقال بهذه الفقرة الخطيرة التي تلخص كل شئ حيث يقول ما نصه:

Even as it rightly plans for the changes wrought by the "Arab Spring," Israel should also recognize that as the Middle East convulses, it is more likely to be left alone. As Alawites battle Arab Sunnis and Kurds in Syria, as Kurds target Turks in Turkey, as the Imazighen fight Arabs in Libya, as the Army contends with Islamists in Egypt, and as Sunnis and Christians confront Shiites in Lebanon, people don't have the time, energy, or resources to fight the Jews in Israel. The more the region tears itself apart, the more Israel floats to the top, unscathed economically, militarily, or diplomatically. While an Islamist ascent is undesirable, the intervening disorder only makes Israel stronger.

حتى و إسرائيل تخطط للتغييرات التى يحدثها "الربيع العربي" فإنه يجب عليها أن تدرك أنه كلما اهتز الشرق الأوسط بالفوضى، كلما ضمنت إسرائيل أن تترك لحالها. فحين يحارب العلويون العرب السنة و الأكراد فى سوريا، و حين يستهدف الأكراد الترك فى تركيا، و حين يتصارع الأمازيغ مع العرب في ليبيا، و حين يتنافس الجيش و الإسلاميون فى مصر، و حين يواجه السنة و النصارى و الشيعة بعضهم البعض فى لبنان، فإن الناس لن تملك الوقت أو الطاقة أو الموارد لحرب اليهود فى إسرائيل. كلما مزقت المنطقة نفسها أكثر، كلما طفت إسرائيل إلى القمة  سليمة معافاة إقتصاديا و عسكريا و دبلوماسيا. نعم، قد لا نحبذ صعود الإسلاميين، لكن الفوضى الناتجة عن الربيع فقط تجعل إسرائيل أقوى.

هل فهم المتنطعون فى إعلامنا المصون لماذا مولت القوى الغربية تدريب الثوار على أساليب الثورة ؟ هل فهموا مصلحة أمريكا و إسرائيل من إشعال "الفوضى الخلاقة" فى أرجاء البلدان الإسلامية ؟ هل فهم هؤلاء لماذا لا يهم كثيرا إن صعد إلى الحكم إخواني أو ليبرالي أو شيعي أو مجوسي فى ظل الفوضى؟ حين تحدث الفوضى فإن السلطة مهما كانت أفكارها و تطلعاتها لا تملك أن تفعل أي شئ على الأرض. حين يسقط الحاكم الممكن ذو الشوكة فإن الصراع السياسي على الكرسي يضرب أطنابه فى أرجاء الدول ممزقا إياها فرقا و أحزابا و جماعات كل يرى فى نفسه الجدارة بالكرسي. و كل مستعد للموت و سفك الدماء فى سبيل الكرسي. هل أدرك المتنطعون لماذا حرم ديننا الحنيف الخروج على الحاكم الممكن و إن جار ؟ هل فهموا قول ابن تيمية:

"ولعله لايكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد أكثر من الذي في إزالته. فلا أقاموا دينا و لا أبقوا دنيا

هل فهم الإخوان و القطبيون أصحاب الحزبيات لماذا نهى الله عن تقسيم جماعة المسلمين إلى أحزاب و فرق و لماذا حذر من هذا النبي حين قال "دعوها فإنها منتنة"؟. هل فهموا كيف يلعب العدو بفرقهم و أحزابهم –التي يحسبون أنهم ينصرون بها الدين- و صراعاتهم السياسية و يضرب بعضهم ببعض ليرتقي على جثثهم ؟ لماذا ينكرون تداعيات الربيع و يخفونها و يصرون على تسطيح الأمر؟ هل بعد كل ما يحدث يصر الإخوان و الحزبيون على خداع الأمة بتصوير الربيع العربي - الذي يخالف ما نص عليه القرآن و ما أمر به النبي صلى الله عليه و سلم من الصبر على جور الأئمة - أنه نصر مبين للإسلام و جهاد فى سبيل الله ؟ و ما هو إلا نصر لأعداء الدين من أمريكان و صهاينة. إن هذا التقرير لم يتطرق لبلية أخرى أكبر من كل البلايا و هي إستبدال دين الإسلام بدين الديموقراطية و الحزبية رويدا رويدا حتى تتشربه قلوب العوام على أنه من الإسلام. فتنسب كل هذه الفوضى التي تضرب أرجاء الأمة للإسلام العظيم ذاته. إن كل ما ورد فى هذا التقرير تلخصه و تحذر منه الآية الكريمة فى سورة الأنفال:

" وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"

لكنهم لم يطيعوا و لم يصبروا على جور الحاكم و تحزبوا و تنازعوا ففشلوا و بدأت ريحهم فى الذهاب و العدو هو الرابح الأوحد. العدو هو الوحيد الذي يجني الثمار الآن. لكن نعود فنقول إن بداية العلاج أن نعترف أصلا بوجود المرض. فإذا اعترفنا بوجوده و علمنا أسبابه فهذا نصف العلاج أو أكثر. مع كل هذه الأجواء القاتمة فإننا لا ننسى أن الأمة قد مرت بفترات أشد قتامة من هذه و تعافت. لكن هذا لن يتم بالديموقراطية و الأحزاب و النهج الغربي. فما أوصلنا لما نحن فيه الآن و ما أسقط الدولة العثمانية ابتداءا إلا هذا الطريق المعوج: طريق الثورات و الأحزاب. لن يتم هذا إلا بالعودة إلى طريق النبوة و منهج التغيير الذي سلكه سلفنا الصالح. فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. لا سبيل إلا رأب الصدع و لم الشمل و نبذ الفرقة و الحزبيات و التحذير من دعاتها و تعليم الناس منهج أهل السنة. هكذا نسد على العدو مداخله إلينا حتى لا يجد منفذا يتسلل منه. نحن لا ننسى فى خضم هذا البحر الهائج بالأحداث قول الله تعالى أيضا فى سورة الأنفال:

"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ () لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ "

و أختم بما قال تعالى في سورة النور:

"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ "

و كما تقرر بالدليل النقلي، لن يحدث هذا حتى نعمل "الصَّالِحَاتِ". و الثورات التى تأتي على الأخضر و اليابس بالتأكيد ليست من "الصَّالِحَاتِ". و تقسيم المسلمين إلى أحزاب باسم التعددية ليس من "الصَّالِحَاتِ". و إشعال الصراع النهم على السلطة باسم الديموقراطية ليس من "الصَّالِحَاتِ". و وضع الشعوب فى مواجهة الحكام و الحكام فى مواجهة الشعوب و ضرب هؤلاء بهؤلاء ليس من "الصَّالِحَاتِ". و إغراق المحطات التلفزيونية و الصحف بالمشادات و السباب المتبادل و السخرية و التنابذ بحيث تضيع الثوابت و تتصحر الأخلاق رويدا رويدا تحت وطأة التكرار أيضا ليس من "الصَّالِحَاتِ".

نحن اليوم بمسارنا الحالي لا نتجه إلى غاية مثلى. نحن لا نسير فى الطريق المنشود. و إذا استمرت أمتنا فى السير على نفس النهج الحالي فإننا سندخل فى عصر اضمحلال على اضمحلالنا. عصر يتغنى فيه أحفادنا بما نحن عليه اليوم !

هناك 8 تعليقات:

  1. مقال جيد و لكن الاخوان المسلمين لم يكونوا ضمن خطه فريدم هوس
    الهدف كان وجود حكم علمانى جديد يصبح اكثر ولاء للغرب
    الا ان اتحاد الاسلامين و الجيش نجا مصر من الازمه
    و هو ما فشل الجيش السورى فى تحقيقه
    و لا يزال موقف الرئيس مرسى من غزه فى المعركه
    خير دليل على التغير للافضل
    و لكن مشاكل الاقتصاد و ما نوجهه من فرق البلطجه المدربه هى ضريبه الاستقلال و ذراع الغرب الطويله فى مصر و هم غير راضين عن نتيجه انتفاضه يناير التى تحولت لشبه ثوره اسلاميه و اتت بالاخوان و حلافئهم للسلطه و حمت مصر و جيشها من الحرب الاهليه

    ردحذف
  2. الأخ العزيز هذا فقط من باب حسن ظنك بالإخوان لأنك تعتبرهم سد فى مواجهة الغرب و هم فى الواقع ليسوا كذلك. راجع البحث قصة التغيير "الجزء الأول" لتعرف تفصيليا دور الإخوان فى الربيع

    ردحذف
  3. والصراع الكبير اليوم بين السنة والشيعة يؤكد هذا الكلام ويخرجه من حيز الظن إلى اليقين.
    تنبيه: في تسجيل صوتي لكالمة بين عمر سليمان والقذافي ( موجود على موقع يوتيوب ) إشارة مهمة إلى ما كان يدور منذ مدة من دعم أمريكي للإخوان المسلمين. يراجع للأهمية.
    يضاف إلى ذلك ما بينه ثروت الخرباوي، عضو الإخوان السابق، من اتصال أمريكي مع الإخوان، كانت واجهة الإخوان فيه خيرت الشاطر.
    ولهذا التعاون الغربي الإخواني بعد مهم، وهو أن الإخوان هم خير من قدم للغرب الإسلام الليبرالي المؤمن بحرية الديانات وذوبان الولاء والبراء على العقيدة، وقدموا نماذج صادقة للغرب في هذا.

    ردحذف
  4. الأخ غير معرف. الأمر هو كما تقول. و لو راجعت كتابات القرضاوى لوجدت لأنه لا يمانع إطلاقا من الإتصال بالقوى العظمى و أجهزتهم من أجل اقناعهم أن الإخوان بديل للأنظمة العربية. فهو أصلا لا يمانع من هذا. و فى الطرف الآخر تجد تصريحات أمريكية منذ سنوات بأن عناصر من اجهزة سيادية حساسة فى أمريكا جلست و تفاوضت من الإخوان مع الإخوان منذ عام 2003. و تجد فى التقارير الدورية لمنظمة راند تعليمات تعود لعام 2005 و 2008 تحث مبارك على توفير مساحة أكبر للإخوان و إدخالهم فى العملية السياسية. و كان نتاج هذا الضغط الغربي أن أدخلهم مبارك فى انتخابات مجلس الشعب 2005 لكنه لم ينفذ توصيات الغرب بتمكينهم من تكوين حزب سياسى. الخلاصة: هناك رغبة و مصلحة لدى الطرفين الغربي و الإخواني من التعاون الوثيق يينهما و هناك وثائق و تصريحات من الطرفين تؤكد هذا. و من ينكر هذا هو ملكي أكثر من الملك. و هو ينكر من باب العاطفة و حسن الظن فحسب. و فعلا الإخوان للغرب هم بوابته إلينا لأنهم يفتحون أبواب الإسلام على مصراعيها أمام الفكر الليبرالي بتقديم فكرة الليبرالية الإسلامية. و الغرب لا يريد أكثر من هذا. و قد صاغها أحد المسئولين الأمريكيين فى جملة بسيطة فى معرض كلامه عن مشكلة مواجهة الإسلام و تغييره فقال: "الإخوان بالنسبة لنا هم جزء من الحل أكثر من كونهم جزء من المشكلة".

    ردحذف
  5. أحسنت بارك الله فيك.
    هذا النص من كتاب "أولويات الحركة الإسلامية فى المرحلة القادمة" للدكتور. يوسف القرضاوي:

    «إننا إذا أقنعنا قادة الغرب والمؤثرين في سياسته بحقنا في أن نعيش بإسلامنا، توجهنا عقيدته، وتحكمنا شريعته، وتقودنا قيمه وأخلاقه، دون أن نبغي عليهم، أو نضمر سوءًا لهم، نكون قد قطعنا شوطا كبيرًا في سبيل الوصول إلى هدفنا في إقامة المجتمع المسلم الذي ننشده في أوطاننا.
    فمما لا شك فيه أن أول ما يعوقنا في طريق هذا الهدف هم حكامنا الذين يقفون لنا بالمرصاد، ويقاومون كل توجه لتحكيم الإسلام في الحياة: الاجتماعية والسياسية والثقافية. وإن أكبر ما يؤثر على حكامنا هو الغرب ورجاله وساسته، بالتنفير من الإسلام، والتخويف من دعاته، والتشكيك في حركاته، بالتصريح حينا، والتلويح أحيانا، وبالطريق المباشر تارة، وغير المباشر طورًا.
    لهذا كان إقناع الغرب بضرورة ظهور الإسلام موجهًا وقائدًا، لو أمكن، إقناعا لحكام العرب والمسلمين بالتالي وفي ذلك كسب كبير».

    ردحذف
  6. مقال مهم جدا هل يمكنني نشره في بعض الصفحات طبعا سيكون متبوعا باسمك و المصدر ؟؟؟

    ردحذف
    الردود
    1. طبعا. لك حرية نشره و استخدام المعلومات الواردة فيه.

      حذف